العيد الوطني الكويتي

العيد الوطني لدولة الكويت

تحتفل دولة الكويت في الخامس والعشرين من شهر فبراير من كل عام بواحد من أهم الأعياد الوطنية وأكثرها حضورًا في الوجدان الشعبي، وهو “العيد الوطني”، الذي يمثل مناسبة تاريخية تجسد ميلاد الدولة الحديثة وانطلاق مسيرتها نحو الاستقلال والسيادة والبناء. يعد هذا اليوم رمزًا لوحدة الشعب الكويتي وتلاحمه مع قيادته، كما يشكل فرصة للاحتفاء بالإنجازات الوطنية والتذكير بالتاريخ الحافل بالنضال، سواء ضد الاحتلال أو من أجل التنمية والتقدم. ويحمل هذا العيد طابعًا خاصًا يتداخل فيه البعد السياسي بالتاريخي والثقافي والاجتماعي، ما يمنحه خصوصية فريدة ضمن الروزنامة الخليجية والعربية.

الخلفية التاريخية للعيد الوطني

تعود جذور العيد الوطني الكويتي إلى تاريخ استقلال الكويت عن الحماية البريطانية، والذي تحقق رسميًا في 19 يونيو من عام 1961، حينما أعلن الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير الكويت آنذاك، إنهاء المعاهدة البريطانية التي بدأت عام 1899 والتي كانت تهدف لحماية الكويت من التهديدات الخارجية مقابل التزامات سياسية تجاه بريطانيا. ويُعتبر هذا الحدث بمثابة ولادة فعلية لدولة الكويت الحديثة ككيان مستقل وعضو فاعل في المجتمع الدولي.

غير أن الاحتفال بالعيد الوطني لم يُثبت في يوم الاستقلال ذاته، بل تقرر لاحقًا نقله إلى تاريخ 25 فبراير من كل عام، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى تولي الشيخ عبدالله السالم الصباح الحكم في عام 1950. وقد جاء هذا القرار لاعتبارات مناخية حيث يصادف شهر يونيو ذروة الحر في الكويت، مما يجعل تنظيم الاحتفالات في الهواء الطلق أكثر صعوبة.

أهمية الشيخ عبدالله السالم في تاريخ الكويت

لا يمكن الحديث عن العيد الوطني دون التوقف مطولًا عند شخصية الشيخ عبدالله السالم الصباح، الذي يُلقب بـ”أبو الدستور” و”أبو الكويت الحديثة”. لقد كان له دور محوري في بناء مؤسسات الدولة بعد الاستقلال، وأشرف على صياغة أول دستور كويتي صدر في عام 1962، وهو الدستور الذي ما زال يُعد من بين الأكثر تقدمًا في المنطقة من حيث التنظيم السياسي والحريات العامة. وقد رسّخ من خلاله مبادئ الشورى والعدالة وحرية التعبير، ووضع الأسس الأولى للعمل البرلماني والمؤسسي في البلاد.

كما شهدت فترة حكمه انطلاق خطط التنمية الشاملة في مختلف المجالات، كالتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية، وهو ما جعل الاحتفاء بتاريخ توليه الحكم في 25 فبراير رمزيًا ووطنيًا بامتياز.

مظاهر الاحتفال بالعيد الوطني

يتميز العيد الوطني الكويتي بطابع احتفالي فريد يشمل مختلف فئات المجتمع ويجعل من هذا اليوم عيدًا شعبيًا بامتياز. تتزين شوارع الكويت ومبانيها بالأعلام الوطنية، وتضاء الأبراج والمرافق العامة بالألوان الثلاثة للعلم الكويتي. وتُقام عروض عسكرية واستعراضات جوية وبحرية بمشاركة قوات الجيش والحرس الوطني، إلى جانب مهرجانات تراثية وفنية وثقافية.

وتشارك المدارس والمؤسسات الحكومية والخاصة في تنظيم فعاليات خاصة، بما في ذلك المسيرات الطلابية والمعارض التاريخية التي تستعرض تاريخ الكويت ونضالها من أجل الاستقلال، فضلًا عن عروض الفلكلور الشعبي والمأكولات الكويتية التقليدية. كما يتم بث أغاني وطنية تحاكي وجدان الشعب وتخلد رموز النضال الوطني.

وتعتبر “مسيرة الأضواء” إحدى أبرز الفعاليات التي تنظم سنويًا، وهي تجمع ضخم يضم المواطنين والمقيمين من مختلف الأعمار، حيث يسيرون حاملين الشموع والأعلام في شوارع العاصمة تعبيرًا عن ولائهم وانتمائهم الوطني.

العيد الوطني في سياقه الخليجي والعربي

يشكل العيد الوطني الكويتي مناسبة لتعزيز روابط الأخوة والتضامن بين الكويت وبقية دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية، إذ غالبًا ما تشهد المناسبة مشاركة وفود رسمية عربية ودولية، كما تُرسل التهاني من قادة وزعماء الدول الصديقة. ويعكس ذلك المكانة التي تحتلها الكويت في الساحة الإقليمية، سواء على المستوى السياسي أو الإنساني أو الاقتصادي.

وتكتسب هذه المناسبة طابعًا خاصًا في ظل الأدوار التي لعبتها الكويت عبر تاريخها الدبلوماسي، مثل وساطاتها الناجحة في النزاعات الخليجية والعربية، ومواقفها الثابتة في دعم القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ولهذا فإن احتفال الكويت بعيدها الوطني يُنظر إليه أيضًا كفرصة للتعبير عن الفخر بتاريخها الدبلوماسي والمبادئ الإنسانية التي أرستها قيادتها.

دور العيد الوطني في تعزيز الهوية الوطنية

العيد الوطني ليس مجرد مناسبة رمزية، بل هو أداة تربوية وثقافية لتعزيز الانتماء الوطني وغرس القيم المدنية في الأجيال الجديدة. حيث تسعى المدارس ووسائل الإعلام ومؤسسات الدولة إلى استثمار هذه المناسبة في بث رسائل تتعلق بالوحدة الوطنية وأهمية الولاء والانتماء، وكذلك تسليط الضوء على تاريخ الكويت والرموز الوطنية التي صنعت مجدها الحديث.

وتنظم وزارة التربية والتعليم والجامعات سلسلة من المحاضرات والأنشطة الموجهة للشباب، لتعريفهم بتاريخ بلادهم وتحفيزهم على المساهمة الفاعلة في بناء مستقبلها، خصوصًا في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية المتغيرة إقليميًا وعالميًا.

السياق الأمني والسياسي في الاحتفال بالعيد الوطني

نظراً إلى الظروف الجيوسياسية المتغيرة في المنطقة، تترافق الاحتفالات بالعيد الوطني عادة مع خطط أمنية محكمة وإجراءات تنظيمية تضمن سلامة المشاركين وسير الفعاليات بسلاسة. وتُشارك جميع أجهزة الدولة في التنسيق من أجل إنجاح الحدث، كما يُخصص هذا اليوم لبث رسائل الوحدة والاستقرار، وتأكيد اللحمة الوطنية التي أفشلت عبر التاريخ محاولات زعزعة أمن البلاد، لا سيما خلال فترات التهديد كما حدث أثناء الغزو العراقي في عام 1990.

وفي هذا السياق، تكتسب ذكرى العيد الوطني بعدًا إضافيًا من حيث تذكير الأجيال بما مرت به الكويت من تحديات وكيفية تجاوزها بفضل وحدة شعبها والتفافه حول قيادته.

الجدول الزمني لأهم الأحداث المرتبطة بالعيد الوطني الكويتي

انعكاسات العيد الوطني على الهوية الثقافية والإبداعية

يُعتبر العيد الوطني مناسبة يُعبّر خلالها الفنانون والمثقفون الكويتيون عن حبهم لوطنهم من خلال الإنتاجات الثقافية والفنية المتنوعة، مثل الأغاني الوطنية، والمسلسلات التاريخية، والقصائد الشعرية، والمقالات الفكرية. كما تسهم القنوات الفضائية الكويتية في بث برامج خاصة تستعرض مراحل تطور الكويت، وأبرز الإنجازات في مجالات التعليم والاقتصاد والصحة والبيئة.

وتشهد دور النشر والمكتبات إقبالًا على شراء الكتب التي تتناول تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي، كما يتم تنظيم ندوات وورش فكرية تُعنى بتقييم التجربة الكويتية في الحوكمة والتنمية، وهو ما يعكس تزايد الوعي الوطني وتفاعل المواطن مع تاريخ بلاده كجزء من هويته الثقافية.

الأثر الاقتصادي للعيد الوطني

يؤدي العيد الوطني إلى تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، حيث ترتفع مبيعات القطاعات التجارية بشكل ملحوظ، لا سيما في مجالات الأزياء، والديكور، والمواد الغذائية، والمطاعم، والسياحة الداخلية. كما تُطلق المؤسسات حملات ترويجية خاصة بالمناسبة، وتُقدم التخفيضات والهدايا للمواطنين والمقيمين، ما يخلق حركة شرائية ديناميكية تسهم في رفع مؤشرات الإنفاق والاستهلاك.

وتستفيد شركات الطيران والفنادق من تدفق الزوار من خارج الكويت لحضور الاحتفالات، خاصة من دول مجلس التعاون الخليجي، مما يعزز من الحركة السياحية والضيافة خلال هذه الفترة.

العيد الوطني بوصفه ركيزة في التعليم والتنشئة

تحرص وزارة التربية والتعليم على تضمين موضوعات العيد الوطني ضمن المناهج الدراسية، خصوصًا في المواد الاجتماعية والتاريخية، كوسيلة لترسيخ الانتماء وتعزيز الثقافة الوطنية. ويُشجع الطلاب على المشاركة في مسابقات الرسم والكتابة والمشاريع التي توثق تاريخ الكويت، بهدف تحفيزهم على التفاعل مع الإرث الوطني وربطه بواقعهم المعاصر وتطلعاتهم المستقبلية.

كما تُوظف هذه المناسبة لتعزيز مفاهيم الوحدة والتسامح والاحترام المتبادل بين المواطنين والمقيمين، مما يجعل من الاحتفال بالعيد الوطني وسيلة لتعزيز السلم الاجتماعي والتنمية الثقافية.

خاتمة

العيد الوطني لدولة الكويت هو أكثر من مجرد ذكرى سنوية؛ إنه احتفال بالهوية والسيادة والوحدة، وتجديد للعهد بين الشعب وقيادته، وفرصة لاستحضار الأمجاد ومواصلة البناء نحو مستقبل أفضل. ومن خلال هذه المناسبة، تُجدد الكويت التزامها بالقيم التي أرساها مؤسسوها، وتؤكد استمرارها كدولة مستقلة وفاعلة في محيطها الإقليمي والدولي، بفضل ما تمتلكه من رصيد وطني عميق وتجربة ديمقراطية مميزة.

المراجع

1. مركز البحوث والدراسات الكويتية – تاريخ الكويت السياسي.

2. دستور دولة الكويت، 1962.